17 - 07 - 2024

وجهة نظري | لايزال القصف مستمرا

وجهة نظري | لايزال القصف مستمرا

يلاحقنا الخبر المشؤوم كنعيق البوم يزيد إحساسنا بوطأة العجز وقلة الحيلة والضعف .. يزداد غضبنا من صمت عربى مخزى وتواطؤ غربى بغيض .. تسيل دماء الشهداء بينما يخرج العدو لسانه هازئا بالجميع، لا أحد يستطيع وقفه .. لا أحد يستطيع محاسبته. لا أحد يستطيع عقابه .. أمن العقاب، فضرب أكبر الأمثلة خسة ووحشية ودموية وعنفا.

ولا يزال القصف مستمرا .. ترتفع أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين .. تتضاعف أعدادهم، نحبس أنفاسنا ونحن نتابعها لتبدو أقرب لأقسى بورصة تتعلق العيون بها، وهى تحصى أرواحا بريئة لم ترتكب ذنبا سوى أنها حلمت بوطن حر، وما أخطره من ذنب في عيون عدو مغتصب لا يكف عن ابتلاع الأرض بعدما يهدم كل ما فيها من بشر وحجر.

لا يزال القصف مستمرا .. أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات في أقل من شهر تساقطت على رؤوس الأبرياء لتحصد أرواحهم بدم بارد .. ما يقرب من عشرة آلاف شهيد، بينهم ما يقرب من أربعة آلاف طفل و2300 امرأة، إضافة لأكثر من 32 ألف جريح .. وآلاف غيرهم من المفقودين ، تمتد أيادى ذويهم باحثة عنهم في مشهد حزين، بعدماعجزت فرق الإنقاذ عن الوصول إليهم، سدت البيوت المهدمة الطرق لم يملكوا سوى أيديهم وقلوبهم التي تدلهم على جثث أحبتهم الراقدة تحتها .. تتعالى صرخاتهم أحيانا ويكتمها هول الصدمة أحيانا، لكنها في كل الأحوال تعود لتنطق ألسنتهم بالحمد لله راضية بقدرها، مستسلمة لقضائه واهبة أرواح أحبتها فداء لوطن، بيقين أنه لن يحرر إلا بتضحية كبيرة وفداء.

نتابعهم وهم يواجهون الموت بشجاعة، وجوههم المبتسمة الصامدة الراضية تدمى قلوبنا أكثر ماتوجعها عيونهم الدامعة الحزينة.

لا يزال القصف مستمرا، وتتوالى معه المجازر الوحشية .. من مستشفى المعمدانى إلى مخيم جباليا لمخيم البريج لمستشفى القدس والأندونيسى والشفاء، تستهدفها قاذفات العدو بلا رحمة ، لايكتفي بمذابحه الدموية، لكنه يلاحق الجرحى في الطرق ليقضى على من تبقى منهم أحياء.. وكأنه لا يكفيه خروج هذه المستشفيات عن الخدمة، وكأنه لا يكفيه قطع الكهرباء والمياه والوقود عنها، وكأنه لا يكفيه استهداف الأطقم الطبية  وسيارات الإسعاف، وكأنه لايكفيه الحال المأساوية التي وصلت إليها الخدمات الطبية بعدما صارت الجراحات تجرى بدون مخدر بينما يفترش المرضى الطرقات والأرض إثر امتلاء الأسرّة.

يهربون من الموت إلى الموت، يتبجح العدو وهو يلوح بمنشورات تحذير وطلب للإخلاء، وكأنه دليل على براءته وهو يدرك أنه لا مكان آمن في القطاع، بعدما بات كل شبر فيه هدفا لنيرانه وقذائفه الحارقة.

لا يزال القصف مستمرا، يحصد الأرواح بلا رحمة وسط صمت عربي مخزي، لايملك حكامه سوى كلمات لاتحمل قدرا من الغضب المكتوم لدى شعوبهم العاجزة بفعل القهر ووأد الصوت والفقر المدقع. يكتفى المرتعشة بالشجب والإدانة  تبدو المواقف محسوبة حذرة وكأن سيوفا مسلطة على رقبة قائليها.

لايزال القصف مستمرا والمدد شحيحا، عشرات الأطنان الخجولة تدخل على استحياء وبأوامر صارمة وتفتيش دقيق لكنها في النهاية لا تكفي لسد جوع وشفاء جرح، بل ولا حتى لتكفين آلاف الموتى، قبل أن توارى أجسادهم التراب.

لا يزال القصف مستمرا، تتابعه عيون حكام عالم فقدوا إنسانيتهم وضمائرهم، باتت في هدنة كتلك التي لا يكفون عن المطالبة بها، لذر الرماد في عيون الإنسانية، بينما تعطى أيديهم إشارات الضوء الخضراء للعدو لمواصلة جرائمه تحت مزاعم الدفاع عن النفس!.

قانون الغاب الدولى هو السائد .. بعدما فقد قانونهم المزعوم صلاحيته، قانون مبتور الأيدي لا يعاقب إلا الضعفاء، قانون تعترف نصوصه بحق الشعب المحتل في الدفاع عن أرضه، لكنه في الواقع يعطى دولة الاحتلال فرصة أن ترتكب ما تشاء من جرائم دون أدنى عقاب أو حساب.

لا يزال القصف مستمرا، ولا يزال الشعب الأبى وحده يقاوم، ينتزع النصر شيئا فشيئا، تبدو المعركة شرسة لكن دلالة النجاح واضحة، خسائرهم مؤلمة وخصمهم قاس يخوض حربا شرسة باعتراف قادتهم. أعداد قتلى العدو تتزايد، استهداف مدرعاته ودباباته.. صواريخ تصل لقلب مدنه صافرات إنذار تصم أذن مستوطنيه فتصيبهم بالذعر، عكس دوى صواريخ الموت التي تحصد أرواح أصحاب الأرض فلا تزيدهم إلا صمودا. 

لا يزال القصف مستمرا، ولا تزال الخسائر مؤلمة باعتراف العدو، مبهرة لكل محايد، معجزة بكل المقاييس لكل منصف يدرك أنه لا مقارنة بين إمكانات جيش الاحتلال وما تملكه المقاومة من إمكانات متواضعة. 

لا يزال القصف مستمرا، ولا يزال الشعب صامدا يودع شهداءه فى صمت، بينما تمتد الأيدى للكتابة على ما تبقى من جدران: سوف تستمر الحياة بإذن الله ويتحرر الوطن.
--------------------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | بائعة الخبز وتجار الأوهام